تعرف على ما هي الفلسفة؟ ومن هو الفيلسوف؟
![]() |
دلالة ومعنى الفلسفة |
سنحاول من خلال هذه المقالة، الإجابة عن سؤالين مركزيين، الأول يتعلق بماهية الفلسفة، بحيث سنحاول الوقوف في هذه الفقرة عن خصائص التفكير الفلسفي، وكذلل الصعوبات التي تعترض كل بحث وراء تعريف الفلسفة، وغير ذلك من النقط المهمة التي سيتم الوقوف عندها في فقرة الإجابة على سؤال ما هي الفلسفة؟، أما السؤال الثاني الذي سنحاول الوقوف عنده، فهو سؤال يتعلق بالتعرف على من هو الفيلسوف؟، وذلك من أجل تمييزه عن باقي أفراد البشرية، وباقي المهتمين بالمجالات الأخرى غير المجال الفلسفي، فالفيلسوف عرف عدة صور عبر تاريخ الفكر الفلسفي، وبالتالي سنحاول الوقوف عند الصورة المثلى للفيلسوف، وهكذا ففي الشطر الثاني من الموضوع سنحاول الإجابة على سؤال من هو الفيلسوف؟.
محتويات الموضوع
- تعرف على معنى الفلسفة ودلالتها.
- صعوبات تعريف الفلسفة.
- تعرف على من يكون الفيلسوف؟.
تعرف على معنى الفلسفة ودلالتها
عندما نسمع سؤال ما الفلسفة؟ فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن الغاية منه تحديد تعريف للفلسفة، تعريف يحدد زمان ومكان نشأتها، تعريف يحدد مجال اشتغالها بشكل مباشر، بل وحتى كيف تشكل تاريخها، لكن في واقع الأمر أن هذا السؤال يدخلنا بشكل غير مباشر في ممارسة فلسفية، وذلك عبر توظيف السؤال كأهم أداة من أدوات فعل التفلسف، فسؤال الماهية (ما هي؟) هو بالضرورة سؤال فلسفي، لأنه تساؤل تسعى إلى النفاذ نحو جوهر الموضوع، فسؤال ما هي الفلسفة؟ هو دعوة للتفكير في الفلسفة كنمط من أنماط التفكير الأخرى (التفكير الديني، الأسطوري، العلمي...)، فالتفكير الفلسفي يحمل دلالته ومميزاته الخاصة، وعندما نرغب في تقديم جواب عن ذلك السؤال، بمعنى عندما نسعى إلى تحديد موضوعها والمنهج المتبع في اشتغالها على ذلك الموضوع، نجد عدة صعوبات تعترض ذلك الأمر والتي يمكن تلخيصها في عنصرين.
شاهد أيضا
صعوبات تعريف الفلسفة
- الصنف الأول من الصعوبات، هو ما يرتبط بالأراء السائدة والأفكار الشائعة عن الفكر الفلسفي، وهي مجرد تمثلات تلقائية وساذجة، لا تتأسس على بحث وفحص بل تقوم على اعتقادات راسخة وأحكام مسبقة، والتي يمكن تلخيصها في كونها بدون فائدة ولا أهمية بل هي مجرد ثرثرة وكلام فارغ، وأن لغتها ومضامينها وكل أفكارها معقدة لا سبيل لاستيعابها.
- ويرجع الصنف الثاني من الصعوبات التي تعترض تعريف الفلسفة إلى كون التعاريف التي يقدمها كل فيلسوف للفلسفة، إنما هي تعاريف مرتبطة بفلسفتهم الخاصة، هذا من جهة ومن جهة أخرى، هو تقلص رقعة المعارف التي كانت تدخل تحت لواء الفلسفة، وذلك بانفصال الكثير من المعارف والعلوم عنها، وما ماسيؤثر على نظرتها لذاتها أولا ثم للعالم ثانيا، ومن جهة ثالثة فالموضوع الذي تدرسه الفلسفة هو موضوع غير محدد ولا ثابت، لذلك من الصعب تحديد منهج وموضوع محدد، بل هذا الأمر يرتبط بالعلوم أكثر من ارتباطه بالفلسفة.
إنطلاقا من هذه الصعوبات أصبح من الضروري توضيح طبيعة الفلسفة وتحديد خصائصها ومميزاتها باعتبارها نوعا من أنواع التفكير الأخرى (العلمي، الديني، الأسطوري...)، نمط من التفكير له قيمته وأبعاده ومتطلباته، فإذا كانت العلوم والتقنيات تعرف انطلاقا من الموضوعات التي تشتغل عليها أو انطلاقا من النتائج المتوصل إليها، فالفلسفة ليست لها موضوعا محددا خاصا بها، وبالتالي فالمعرفة التي تنتجها الفلسفة هي أساس المشكل المطروح لدينا في تعريفها، وهكذا، هل يمكن الحديث فعلا عن تحقق المعرفة عبر الفلسفة؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما نوع هذه المعرفة؟ وكيف هو السبيل إلى تحقيقها؟.
إن المعرفة التي تحققها الفلسفة ليست مماثلة للمعرفة التي تحققها العلوم، فالفلسفة لا تفسر الظواهر الطبيعية من خلال المعلومات والأفكار التي تبنيها حولها، ولا تصل إلى هذه الأفكار والمعلومات استنادا إلى منهج موضوعي محدد كما هو الشان بالنسبة للعلوم، بل الفلسفة ذات طابع شمولي، فهي تمثل علما يشمل كل المعارف والأفكار الممكنة، لكن انفصال العلوم عنها واستقلالها بمناهجها (الكيمياء، البيولوجيا، الفيزياء، الرياضيات، العلوم الانسانية...)، واهتمام كل علم من هذه العلوم بدراسة موضوع خاص به، جعل هذا التعريف الشمولي للفلسفة موضع تفكير وإعادة نظر من طرفها، وذلك من منطلق التساؤل حول ما تبقى للفلسفة من موضوعات للدراسة.
بعد انفصال العلوم عن الفلسفة، تبقى لهذه الأخيرة مواضيع لا يمكن لأي علم أن يتناولها بالدراسة، وهي قضايا تتعلق بوجود الإنسان ومصيره (الحرية، الموت، الحب،الخير...)، إضافة إلى ذلك، فعلاقة الفلسفة والعلم لم تنتهي باستقلال العلوم عنها، بل ذلك غير من طبيعة العلاقة بينهما بأصبحت أكثر شساعة، وبالتالي أصبحت قيمة العلم ونتائجه موضوعا للفلسفة، ومن هنا ظهور الاهتمام بقضايا العلم وأسسه فأصبحنا نتحدث عن الابستمولوجيا، فأصبح بذلك العلم موضع تفكير فلسفي، ومن هنا يمكن أن نعرف الفلسفة بكونها التفكير في وجود الانسان ومصيره (فردي وجماعي) وفي المعرفة العليمة وغيرها.
للمعرفة الفلسفية خصوصيتها، فقد جعلت من الوجود الانساني ومصيره، ومن نتائج المعارف الأخرى، من أبرز قضاياها التي تعمل على دراستها، فالعلم ينتج معارف حول الكون والإنسان، لكنه لا يفكر في هذه النتائج، كما أن التقنية تزود الانسان بأدوات السيطرة على الطبيعة، بل وسائل السيطرة على لإنسان ذاته، لكنها كذلك لا تضع هذه النتائج على طاولة التفكير، بل ذلك دور الفلسفة، فهي التي تضع تلك النتائج موضع تفكير، وذلك بجعلها مشاكلا للدراسة والتحليل، بمعنى لا تعتبرها نتائج بديهية، وإنما تتساءل حول علاقتها بالوجود البشري وقيمتها وأهميتها بالنسبة للإنسان، من أجل تحديد موقعها بين المعارف الأخرى في ميدان المعرفة عامة.
انطلاقا مما سبق، يمكن أن نضيف إلى تعريف الفلسفة بأنها تفكير نقدي إشكالي، يضع كل ما ينتجه الإنسان (معرفة، سلوك، تقنية...) موضع تساؤل وفحص ودراسة، من أجل الوقوف عند قيمتها ودلالتها وانعكاساتها على الوجود الإنساني، فيكون بذلك التفكير الفلسفي تفكيرا عميقا وأساسيا، فالوجود الانساني (فردا أو جماعة) وجود معقد، فمن حيث وجوده الفردي فهو يعيش تجارب أساسية حميمية (دفينة أو معلنة)، من قبيل الموت، الحب، الخوف، الذكريات...، تمنح لهذا الوجود بعده الخاص، فتدفعنا إلى التفكير في جوهره الأساسي،أما من حيث وجوده الجماعي المشترك، فهو يعيش داخل ظواهر عديدة ومتنوعة (أخلاقية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية...)، تقوم هذه الظواهر على مبادئ وأسس من قبيل الحق، العنف، الدولة، العلاقات بين الأفراد، العدالة...، هذه المبادئي تجعل منها الفلسفة قضايا للتفكير، وبالتالي فالتفكير في جل مظاهر الوجود الانساني هو من أبرز سمات التفكير الفلسفي. للمزيد حول التفكير الفلسفي يمكنك الإطلاع على أدوات فعل التفلسف وخصائص التفكير الفلسفي.
تعرف على من يكون الفيلسوف؟
قد يعتقد البعض أن الفيلسوف هو شخص يحترف مهنة مثل التقني أو الطبيب، في حين أن الأمر ليس كذلك، بل هو باحث ومفكر في العديد من القضايا، هذا التفكير لا يتم وفق قواعد ثابتة وشائعة يسير على منوالها كما بقية الناس، وإنما يتسم تفكيره وبحثه بطابعة الشخصي الخاص، فالفيلسوف يرسم بنفسه لنفسه مسارا وطريقا خاصا للتفكير، فعندما يفكر في القضايا المصيرية المتعلقة بالوجود الانساني عامة، فإنه من خلال ذلك يتحمل مسؤولية نفسه والآخرين، فعندما يبني موقفا حول قضية معينة، فهو لا يدافع أفكاره أو ذاته، بل يدافع عن أفكار ستصبح أفكارا للآخرين كذلك، فهو يدافع ويجسد أفكار الآخرين من خلال أفكاره ومواقفه وكأنه مصلحا اجتماعيا، فالفيلسوف يعيش تفكيره وكأنه يعيش حياة جل الناس ومصيرهم، وهكذا، لا يصح الحديث عن الفلسفة دون الحديث عن الفيلسوف.
يمثل اليوناني سقراط، الذي كان يحاور عامة الناس في شوارع آثينا ليدفعهم إلى التساؤل حول ما يعتقدونه يقينا، نموذج الفيلسوف، كما يمثل تلميذه اليوناني أفلاطون، معلم الفلسفة لأتباعه في أكاديمته التي أسسها، أوضح صورة عن الفيلسوف، وعلى نفس المنوال يمثل الاستاذ الجامعي الألماني فريدريك هيجل الذي كانت تعتبر دروسه استعدادا للخوض في المغامرة الفلسفية نفس الصورة عن الفيلسوف، والتي نجدها كذلك في الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر، الذي كان يسعى لعيش أفكاره عبر حياته الخاصة، مناهضا بذلك للمؤسسات والتشريعات القائمة.
فقد يبدو ظاهريا أن هناك اختلاف بين هذه النماذج للفيسلوف، لكن جوهريا ليس هناك اي اختلاف بينها، لأن مهمة الفيلسوف هي تعليم (الناس، الطلبة، القارئ...) طريقة قيادة التفكير، وسبيل مساءلة المسلمات ومناهضتها، كما ان مهمته هي تعليم الناس كيفية وضع مسافة بين ذاتهم وحياتهم اليومية، هذا ما يجعل أفكار الفيلسوف بعيدة عن أية نظرة جزئية نفعية ومتعالية عنها، فالفيلسوف في جميع الأحوال، هو شخص يمارس التفكير كمهنة يعشقها ولا تنفصل عن حياته، وكل ما يعلمنا أياه الفيلسوف هو خلاصة لتجربته الخاصة، لذلك ينبغي أن نعيش تلك التجربة من اجل استيعاب معناها، والقبول بالتجريد كمبدأ أساسي وأولي لفعل التفلسف.
ليس الفيلسوف إذن، هو ذلك الشخص الوثوقي والمتعصب لرأيه، مع العلم أن الشخص الوثوقي والمتعصب دائما ما يرفض الأخرين أشخاصا وأفكارا، ويسعى باستمرار إلى جعل مواقفه ذات سلطة فعلية، باعتبارها حقيقة مطلقة ونهائية، بينما الفيلسوف هو شخص لا يعرف سوى شيئا واحدا، وهو أنه لا يعرف شيئا كما جاء على لسان اليوناني سقراط، ومادام الفيلسوف على ذلك الأمر، فهو يندفع بشكل حر نحو البحث عن الحقيقة، بغض النظر عن الأراء الأخرى التي قد تكون مختلفة معه أو معارضة له، لأنه لا يؤمن سوى بسلطة العقل.
فقد كانت وظلت صورة اليوناني سقراط، أسمى نموذج للفيلسوف في تاريخ الفلسفة، لأنه كان يملك رغبة قوية في الكشف على ما تخفيه الأراء والأحكام من أوهام وتخليصها منها، وذلك بهدف الكشف عن حقيقة الذات أولا وباقي المواضيع ثانيا، وهو ما ترتبت عنه معارضة قوية من المدرسة السفسطائية، التي كانت تهتم بتعليم الخطاب لطلابها مقابل أجر مادي وليس من أجل الكشف عن المعرفة الحقة أو تعليمهم الفضيلة، وقد كانت اللغة وسيلة للسيطرة عند المدرسة السفسطائية، لأنها تنظر للأفكار التي يقتنع بها الناس بأنها عقائد لا يمكن التخلي عنها، فكانت الحقيقة في نظرها ذاتية ونسبية، وهو عكس ما كان يؤمن به اليوناني سقراط الذي كان يعتقد بأن الحقيقة متعالية عن المنفعة، لذلك كان يدفع محاوريه، أغلبهم من المدرسة السفسطائية، إلى الكشف عن أخطائهم وأوهامهم استنادا إلى تفكير عقلي منطقي، لكن السؤال الذي يثير نفسه الآن، هو هل بالامكان وجود فيلسوف على تلك الصورة في المجتمع الحديث والمعاصر؟ مع العلم أن هذا المجتمع يمجد العلم والتقنية ويقوم بالأساس على الفعالية في الانتاج والاستهلاك، لمعرفة صورة الفيلسوف في العصر الحديث والمعاصر يمكن ذلك من هنا.
اقرأ المزيد