منهجية جاهزة لتحليل القولة الفلسفية حول مجزوءة السياسة
![]() |
منهجية تحليل قولة |
إن هذا الموضوع هو عبارة عن نموذج تطبيقي لمنهجية تحليل قولة فلسفية، والنموذج الذي سنشتغل عليه، هو نموذج يندرج ضمن مجزوءة السياسة، ويتحدث بالأخص عن مفهومي الحق والعدالة، ومضمون القولة هو كالآتي: "على كل فرد، إن أراد أن يكون عادلا، أن يطلب من القاضي معاقبة من ظلمه لا بدافع الإنتقام بل رغبة في الدفاع عن العدالة"، وضح مضمون القولة وبين أبعادها، وكان هذا الموضوع ضمن امتحان البكالوريا في مادة الفلسفة الدورة العادية 2011 كل مسالك الشعب العلمية والتقنية والأصيلة، وفيما يأتي تحليل ومناقشة لمضمون هذه القولة وفق منهجية التحليل الجاهزة.
محتويات الموضوع
- منهجية جاهزة لتحليل قولة فلسفية.
- مقدمة جاهزة لمفهوم الحق والعدالة.
- تحليل الحجاج والمفاهيم في القولة الفلسفية.
- القيمة والحدود في القولة الفلسفية.
- ملخص للحق والعدالة (تركيب).
مقدمة جاهزة لمفهوم الحق والعدالة
إن ضمان حقوق الأفراد وتحقيق العدالة رهين بالانضباط لمجموعة من القواعد القانونية والقيم الأخلاقية، فهذه الأخيرة هي التي تمنح الوجود الإنساني تماسكه وتنظيمه، ولكي يتحقق هذا النظام تسهر الدولة ومؤسساتها على إرساء تلك القوانين والقواعد، سعيا منها نحو تحقيق العدالة الاجتماعية كغاية أسمى، من خلال التعامل مع الجميع باعتبارهم سواسية أمام القانون، وبذلك تتعالى عن كل حيف أو تمييز.
إن القولة التي نحن بصدد الاشتغال عليها توضح نفس الأمر، بحيث تبرز أهمية القوانين داخل المجتمع، ودورها في إحقاق العدالة من خلال اللجوء إلى القضاء، وبالتالي فالاشكالية التي تتمحور حولها هذه القولة هي إشكالية العلاقة بين القانون والعدالة، لأن الشائع أن تحقيق العدالة داخل المجتمع يمر عبر تطبيق القوانين، لفلا حق إلا ما يضمنه القانون ولا عدالة خارج هذا الأخير، لكن أحيانا نشعر بأن تلك القوانين ظالمة وليست عادلة، وبالتالي هل الخضوع للقوانين كفيل بضمان الحقوق وتحقيق العدالة؟ وإذا كانت العدالة تقوم على المساواة بين الأفراد فهل باستطاعتها انصاف جميع المواطنين؟.
شاهد أيضا
تحليل الحجاج والمفاهيم في القولة الفلسفية
بداية سنحاول الوقوف عند البناء المفاهيمي لهذه القولة، وأهم المفاهيم التي شكلت هذه القولة هو مفهوم العدالة، فالعدالة تحيل على كل فعل أو سلوك أو قرار يتوخى منح كل ذي حق حقه، وهي نقيض الظلم الذي يعني سلب الآخرين حقوقهم بالقوة أو غيرها، فالعدالة إذن هي تخليص الآخرين من الظلم، ولكي يتم ذلك يجب تطبيق القوانين المتعاقد عليها بين أفراد المجتمع، وهي قوانين إلزامية وزجرية وضعت من أجل تسيير الشأن العام وتنظيمه، وبالتالي فالقوانين هي بمثابة إقصاء لفكرة الانتقام أو ما شابه ذلك، وذلك ما تصرح به القولة موضوع تحليلنا.
إن القولة التي بين أيدينا تؤكد على أن عدالة الفرد رهينة بلجوئه إلى ممثل شرعي للقانون وهو القاضي، من أجل معاقبة الظالم، مع استبعاد فكرة الانتقام، فالسلطة القضائية كمؤسسة قانونية هي التي تبث في النزاعات والخصام بين الأفراد، فهي الكفيلة بإحقاق العدالة وإرجاع الحقوق إلى دويها، وذلك عبر تطبيق القوانين، وهكذا، فالجميع ملزم بتنفيذ أحكام المؤسسة القضائية والخضوع لتشريعاتها، وذلك وفق مبدأ تكريس العدالة والدفاع عنها، وبالتالي يبدوا أن مضمون القولة يكشف على تصور عام، يقر بأن تطبيق القوانين وحماية حقوق الافراد هو الكفيل بتحقيق العدالة، لأن في ذلك إقصاء للفكر الانتقامي وإبطال له.
في نفس سياق هذا التصور نجد الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا يصرح بأن العدالة إحقاق للحق من خلال تطبيق القوانين، فتحقيق الأمن والسلام للمواطنين من خلال قوانين وضعية عقلية، يمثل مبدأ أساسيا للدولة الديمقراطية، لأن القوانين العقلية تمثل تجاوزا لقوانين الشهوة والتي هي أساس الحقد والكراهية وبالتالي الفوضى، وهكذا لا يمكن من وجهة نظر اسبينوزا تصور العدالة خارج إطار القوانين العقلية التي تتكفل الدولة بتطبيقها، كما لا يمكن للناس أن يتمتعوا بالحقوق خارج إطار قوانين الدولة العادلة، مما يعني أن عدالة قوانين الدولة هي التي تحتضن حقوقالمواطين.
عندما يفكر الأفراد في العيش خارج هذا الوضع، فإن الأمر سيؤول بهم إلى حالة الطبيعة والفوضى، وهي الحالة التي يستحيل أن نتصور فيها أفراد يتمتعون بحقوقهم المشروعة (الحرية، الأمن، الاستقرار،...)، وهكذا، فامتثال الافراد للقوانين العقلية هو سيضمن لكل ذي حق حقه، باعتبار المواطنين سواسية أمام القانون، فليس من حق القاضي مثلا أن يحسد الغني أو أن يحتقر الفقير، فكلاهما متساويان أمام القوانين، لكن هل العدالة تتحقق فقط من خلال تطبيق القوانين أم أن تحقيق العدالة في حاجة إلى مبادئ ومرتكزات أخرى؟.
القيمة والحدود في القولة الفلسفية
إن لهذا التصور قيمته وأهميته الفكرية والفلسفية، ذلك لأنه يمثل تزكية وامتدادا للعديد من التصورات والمواقف عبر تاريخ الفكر البشري، بل يمثل كذلك تجاوزا لمجموعة أخرى من التصورات، وفي نفس سياق الحديث نجد جون جاك روسو يؤكد على أن التعاقد بين أفراد المجتمع ليس تعاقدا سياسيا فحسب وإنما هو تعاقد أخلاقي كذلك، بحيث على الجميع الالتزام باحترام القانون الوضعي والانضباط له، فالدولة التي تملك القدرة على ضمان الحريات الفردية والجماعية من خلال تطبيقها لقوانين التي تضعها الإرادة العامة (المجالس المنتخبة)، تلك هي دولة الحق، فقوة عدالة المجتمع تستمد من احترام حقوق الناس والانضباط للقوانين.
لكن أحيانا قد يبدو نقص في تلك القوانين، وهو ما فطن له شيشرون اليوناني، الذي يرى بأن تطبيق القوانين ليس بالضرورة ضمان للحقوق وإحقاق للعدالة، بمعنى لا يمكن للمؤسسات والقوانين أن تمثل أساسا للحق، لأن بعض القوانين هي من وضع الطغاة، وبالتالي فالقوانين وجدت من أجل خدمة مصالحهم الخاصة على حساب حقوق الآخرين، لذلك يدعو إلى تأسيس الحق والعدالة على القانون المبني على مبادئ العقل السليم الذي يشرع ما ينبغي القيام به وما ينبغي تركه.
إن تحقيق العدالة على أرض الواقع رهين بالجمع بتأسيس الحق على المساواة، وهو ما يؤكد عليه الفرنسي إميل شارتيي "ألان"، فلا يقوم الحق كقيمة أخلاقية وقانونية في نظره، إلا في إطار المساواة، فالفعل العادل هو فعل نعامل به جمبع الأفراد بشكل متساو، بغض النظر عن اختلافاتهم وتفاوتاتهم (الجنس، اللون، المكانة...)، فالحق في نظر إميل شارتيي جاء كضد على اللامساواة، وبالتالي فالحق هو المساواة، أما العدالة هي القوانين التي يتساوى أمامها الناس، بحث يجب معاقبة الظالم وإرجاع الحق للمظلوم.
وعلى نفس المنوال دأب أرسطو، بحيث أقر بأن عدالة القوانين رهينة بمراعاة المساواة بين الناس، فالغاية الأسمى للعدالة القانونية هي الحد من التعسفات، إلا أن أرسطو يقر بأفضلية الإنصاف، ذلك لكون هذا الأخير يعمل على تصحيح الأخطاء المترتبة على عمومية القوانين، فالقوانين وضعت من أجل تدبير القضايا في عموميتها وكليتها، وبالتالي فهي أحيانا لا تتطابق مع بعض الحالات الجزئية، وبالتي ضرورة تدخل الانصاف لتصحيح القوانين لتكون أكثر نزاهة وعدلا، وبالتالي ينبغي الاحتكام لروح القانون وليس لنص القانون، من أجل منح كل فرد حقه الذي يستحقه.
فالانصاف هوالمبدأ الأساسي لإحقاق العدالة، هذا ما أشار إليه الأمريكي جون راولز، فجميع الناس سواسية في استفادتهم من الحقوق الأساسية، لكن هناك فئة منهم متميزة بحكم موهبتها الطبيعية أو شروطها الخاصة، فلا ينبغي أن نضع العراقيل والعوائق أمام هذه الفئة من أجل أن يوجدوا في وضع أفضل، كما لا يعني هذا أنه سيتم حرمان الآخرين من ذلك، بل لهم حق الاستفادة من ذلك الأمر إن تمكنوا من تحقيقه.
ملخص للحق والعدالة (التركيب)
تبين مما سبق، أن إشكالية العلاقة بين العدالة والقوانين، تبقى إشكالية جد معقدة، ذلك ما يوضحه الاختلاف بين المواقف والتصورات الفلسفية، فضمان الحق وتحقيق العدالة لا يمكن أن يتم خارج إطار قوانين الدولة، وبالتالي لا يكون العدالة كذلك، إلا في حالة الترابط بين الحق والمساواة، إلا أن الطابع العمومي للقوانين الوضعية يقتضي بالضرورة استدعاء الإنصاف كمصحح لأخطاء عمومية القوانين، ذلك لأن الغاية الأسمى من كل ذلك هو ضمان كرامة الأشخاص وتقديرهم، وحماية حريتهم من خلال حماية المظلوم ومنحه حقوقه المهضومة ومحاسبة الظالم لكن في استبعاد تام لفكرة الانتقام.
اقرأ المزيد