فلسفة الدين عند هيجل المقاربة الفلسفية للدين ج 2
![]() |
فلسفة الدين عند هيجل |
إن مسيرة التاريخ الكوني والإنساني عند هيجل هي مسيرة العقل نحو الوعي بالذات وتحقيق الحرية، بمعنى هو تاريخ انتقال الإنسان من مرحلة العبودية والإستيلاب إلى مرحلة الوعي بالذات والحرية، وهذا الأمر لا يتحقق على نحو مطلق إلا حينما تصبح الفكرة المطلقة أو العقل غير الواعي والمستلب هن ذاته، عبارة عن روح مطلق أي عندما يدرك العقل ماهيته ويتماهى مع هذه الحقيقة، فالفكرة المطلقة هي روح لكن في حالة اغتراب واستيلاب وانفصال عن ماهيتها، ولا تصل إلى مرحلة الروح المطلق والوعي بالذات إلا عند التحقق الموضوعي للعقل والروح، وفق معيار "كل ما هو واقعي فهو معقول وكل ما هو معقول فهو واقعي"، وذلك لا يصبح متحققا إلا في الفلسفة، بمعنى لا يمكن أن تصبح الروح واعية بذاتها إلا في الفلسفة، وبالتالي يمكن القول بأن هناك مراحل اخرى قبل المرحلة الفلسفية.
إن المراحل التي تأتي قبل المرحلة الفلسفية هي مرحلة الفن، وهي المرحلة الأولى وهي المرحلة التي تدرك فيها الروح بطريقة حسية، فمرحلة الفن إذن هي مرحلة الإدراك الحسي للروح، بمعنى المرحلة التي تتجلى فيها الروح بشكل محسوس، وتصبح موضوع حسي، وبالتالي العقل هنا يدرك ذاته باعتباره شكلا محسوسا، وتأتي بهد مرحلة الفن مرحلة أخرى وسطى بين الفن والفلسفة، وهي مرحلة الدين، وهي مرحلة ضرورية على اعتبارها مرحلة الادراك التصوري أو التمثلي أو الاستيعاري أو الرمزي للعقل والروح، بمعنى أن العقل في الدين يدرك ذاته من خلال التمثل والإستعارة، وهذا التمثل هو عبارة عن كلية خالصة مغلفة بخيال حسي، بمعنى أن التمثل والصورة في جانب منها حسية وفي الجانب الآخر عقلية، وبالتالي فالدين يعبر عن الفكرة المطلقة بطرق رمزية استعارية تمثلية، وبهذا فالدين هو مرحلة ضرورية لكي تعي الفكرة المطلقة ذاتها، بحيث تعتبر هذه المرحلة بمثابة المرحلة التي تتجسد فيها الفكرة المطلقة في العالم بما هو محسوس وتجسيد للفكرة والحقيقة، وهذه الفكرة المطلقة التي يحاول الدين تجسيدها هي الله.
شاهد أيضا
إن فكرة الله هي فكرة مجردة تتجسد لنا في العالم بما هو فكرة محسوسة، والله هو خالق العالم والأشياء وعملية الخلق عند هيجل، هي بمثابة عملية مجازية استعارية رمزية، مثلها مثل فكرة التجسيد L'incarvation، فهيجل يمثل علاقة الله بالعالم بعلاقة الانسان بالأشياء، فعلاقة الانسان بالأشياء هي تمثيل لعلاقة الله بالعالم، فكما أن الانسان يصنع الأشياء ويمنحها صورا، فكذلك الله صنع العالم ومنحه صورة معينة، وبالتالي فمرحلة الدين هي مرحلة ضرورية في تطور العقل البشري نحو الحرية، فالدين هو محاولة إرجاع الأشياء إلى أصلها النقي والطاهر، وهذا الأصل هو الإله.
وهكذا، فالدين هو محاولة التوحيد والتقريب بين الانسان والإله، لأنهم كانوا في البداية عبارة عن وحدة، ولكن بسبب الخطيئة انفصلا عن بعضهما، فأصبح الانسان حاملا لذنب، وبالتالي عليه أن يكفر على ذنبه ويتحرر منه عن طريق الدين، ليتمكن من العودة إلى الله، وبالتالي الوحدة من جديد، على اعتبار أن الانسان بعد ارتكابه الخطيئة أصبح في حالةاغتراب واستيلاب، وبذلك عليه أن يسعى غلى التحرر منها، لكن التحرر الذي يحققه الدين، ليس تحررا كونيا، بل تحرر رجال الكنيسة، بمعنى أنه تحرر جزئي، وبالتالي لازال جزء من العالم في استيلاب.
إذن مرحلة الدين هي مرحلة ضرورية لتطور العقل والفكرة المطلقة نحو الحرية ونحو الوعي بالذات، لتصبح روح مطلقة في المرحلة الفلسفية، التي هي المرحلة التي تأتي بعد المرحلة الدينية، والتي تدرك فيها الفكرة المطلقة ذاتها بطريقة عقلية خالصة، فالفلسفة هي مرحلة الادراك العقلي للروح، بحيث تتخذ الروح وحدة الشكل والمضمون، بمعنى هي المرحلة التي تصل فيها الفكرة المطلقة للوعي بذاتها، لتصبح روحا مطلقة، والتي تشكل وحدة الشكل والمضمون، أي تحقق ما تريده الروح بالشكل الذي تحقق، وما تحقق هو ما كانت تريده، إذن الدين هو المرحلة الوسطى بين الفن والفلسفة، بما هو عبارة عن تجلي للمطلق في صيغة الفكر التصوري أو التمثلي عند هيجل، وكل ذين إلا ويتضمن ثلاث لحظات أساسية، والتي تمثل جدلية الفكرة المطلقة التي تنتهي عندما تتحقق الروح المطلقة (الواقعي=العقلي).
- لحظة الكلية المجردة: وتمثل الأطروحة، وهي لحظة وجود الإله بدون خلق العالم، فهي لحظة أقرب إلى العدم منه إلى الوجود بالنسبة لهيجل، في هذه اللحظة الإله موجود ولكن لا يعلم ماذا ينبغي أن يفعل، وماذا يقدر عليه، فهو لم يعي ذاته وكأنه غير موجود.
- لحظة الجزئية: وهي نقيض الأطروحة او النفي، وهي اللحظة التي خلق فيها الإله العالم والكائنات، فانفصلت عنه بفعل الخطيئة، فأصبح الانسان مستلب ومغترب في حياته، إذن هي لحظة انشطار العقل على نفسه إلى جزئيات تتجلى في عقول الأفراد المتناهية، وبالتالي انفصال العقل الكلي (الله) عن العقل الجزئي (الانسان)، حيث أصبح الانسان مغترب ومنفصل عنه.
- لحظة الكلية الملموسة: وتمثل التركيب أو نفي النفي، وهنا الإنسان لجأ إلى العبادة وإلى الطقوس الدينية، باعتبارها جسر عودة الجزئي إلى الكلي، وعودة الإنسان إلى السماء، وبالتالي وبشعوره بالاغتراب والاستلاب لجأ إلى العبادة للتخلص من ذلك الشعور متجها نحو تحقيق الوحدة مع الله، وليست العبادة في كل الديانات سوى محاولة لإعادة الوصل والاتصال بين الانسان والإله، إذن لحظة الكلية الملموسة أو الفردية، هي لحظة العودةوالاتصال والوحدة عن طريق العبادة.
إن أي رسالة دينية في نظر هيجل فهي تهدف إلى إعادة الوحدة والاتصال بين الإنسان والإله، فالديانات إذن تهدف إلى تحقيق جمع الشمل، والديانة المسيحية هي التي تمثل هذا التحقق لأنها تتماهى مع وحدة الانسان والإله، لأن الإنسان في المسيحية إبن الله وليس عبدا، بمعنى تجسيد الله في الإبن، ولهذا فعملية صلب المسيح هي عملية تكفير عن البشرية جمعاء، إذن للدين وجود ضروري في التطور الجدلي للعقل ، وليس مجرد عابر ومؤقت، فهو تجلي ضروري للمطلق لأنه تدبير الله للعالم ولإعادته إليه وذلك عبر ما يسميه هيجل "التدبير الإلهي للعالم"، وهناك ثلاث مراحل للدين يمر بها لتحقيق رسالته، لك شرط تحقيق هذه الرسالة وهذا الهدف لابد من السمو الروحي للإنسان إلى مرتبة الألوهية، بمعى عليه أن يعي بأنه يختلف ويتميز عن باقي الكائنات الأخرى بالعقل، الذي يساوي عند هيجل الحرية، وبالتالي فالعقل يمكنه أن يتحكم في ذاته وليس في ذوات الآخرين، وهكذا جعل هيجل العقل القائد والمسيطر على النفس، وتتجلى المراحل الثلاث للدين في مرحلة الديانة الطبيعية، ومرحلة الديانة الروحية الفردية، ومرحلة الديانة المطلقة، وفيما يأتي سنفصل في هذه الأنماط الثلاث.
مرحلة الديانات الطبيعية (الدين الطبيعي)
وتمثل هذه المرحلة مرحلة استيلاب واغتراب للكائن البشري، بحيث لم تستطع الروح المطلقة هنا السيطرة على الطبيعة، وبالتالي انعدام الاعتراف بالطابع السامي والمطلق للروح، وبما ان هدف جميع الديانات هو تجاوز الانفصال بين الإله والانسان وتحقيق الوحدة بينهما، فإن هذا يتطلب الانفصال الكلي أولا عن الطبيعة، وإن لم يتحقق هذا الانفصال على الطبيعة بشكل واضح، فإن الدين سيبقى مجرد صورة فجّة، كالسحر الذي هو مجرد وهم لا يمكن من السيطرة على الطبيعة التي تأتي بعد الانفصال عنها، وبالتالي التحكم فيها لإشباع الحاجات والرغبات كاملة، وبما أنه لم يستطع التحكم والانفصال عن الطبيعة، فهو يعني بأن الكائنات وحتى الانسان يفتقر إلى الوجود الفردي المستقل والمتميز عن الطبيعة، ويبقى مجرد ذرة من الذرات الأخرى وسط الأشياء الجزئية، لا يستطيع الانفصال عنها.
وهكذا، فرغم أن دافع تطور الكائنات هو السمو الروحي الذي يظهر في الفكرة وهي تعي ذاتها حتى تستطيع القول "هذا أنا، رغم أني جزئي فأنا أتميز عن الكائنات الأخرى وأسمو عليها، وبواسطة غرادتي اجعلها تخضع بعد أن آمرها"، وهذا ما يتحقق عبر السحر، وبالتالي فقد الكانت السيطرة التي تحققها الديانة الطبيعية سيطرة جزئية وليست كلية، سيطرة وهمية وليست فعلية، ومن هنا تكون الروح المسيطرة على الانسان في هذه الديانة، لا تعي ذاته كروح كلية وعاقلة بل من حيث هي جزئية ووهمية تحكمها النزوات والرغبات والأهواء، وبالتالي الدافع جسدي وليس روحي، ومن هنا فالروح في هذه الديانة لا تستطيع السمو والعلو على الطبيعة والانفصال عنها، بل تظل جزء منها وتابعة لها، أما سيطرتها عليها فهي سيطرة جزئية ووهمية.
إذن، مرحلة الديانة الطبيعية هي مرحلة تأليه الانسان للظواهر الطبيعية وعبادتها وتقديسها، وبذلك نجد الصورة التي يكونها الإنسان حول الاله في كل دين هي انعكاس للصورة التي يكونها على ذاته، بحيث يقول هيجل في هذا الصدد "الدين هو مفهوم الشعب عن نفسه، فالشعب الذي يعتبر الطبيعة إله له، لا يمكن أن يكون شعبا حرا، وهو فقط عندما يعتبر الله عقلا فوق الطبيعة، يصبح حينها عقلا حرا"، وهكذا فتأليه الانسان للطبيعة مرتبطة باستعبادها له.
مرحلة الديانات الروحية الفردية
في هذه المرحلة تبدأ الروح المطلق في التعين والتجسيد لكي تقضي على تجردها الخالص وعلى عدميتها، بمعنى أن الروح هنا تتجسد في شيء مملموس يسميه هيجل بالإله الفردي أو الإله المشخص، إله له صفاته المحددة، وبالتالي إذا كانت الديانة الطبيعية تأله الظواهر الطبيعية المتبعثرة والمشتتة، فإن الديانات الفردية تقوم بتجميع هذا التشتت والتبعثر في تشخصن الإله، بمعنى تطبعه بطابع شخصي، ويدرج هيجل في هذه المرحلة الديانات اليهودية، اليونانية، الرومانية، الاسلامية،...، وصورة الإله هنا تجمع بين وجهين، الوجه الروحي والوجه المادي، بمعنى بين قوة مادية وأخرى روحية، وهذه الديانات بالنسبة لهيجل تندرج ضمن دائرة الحرية، بمعنى هي ديانات تسعى إلى تحقيق الحرية، فالله في هذه الديانات صار روحا، باعتبار الروح ذلك الكلي الذي يسمح للجزئي بالإنبثاق للوجود ليصبح حرا ومستقلا، وهذا ما جعل من الحياة الدينية قابلة للإدراك ليس على أنها هروب من العالم والزهد والفناء في الواحد، وإنما على أنها ارتباط بالواقع وبالعالم، ومطالبة للإنسان بأن يتحمل مسؤوليته داخل العالم، ولذلك يسميها هيجل بانها الحياة الأخلاقية الإيجابية، كما انها تضع تشريعات وقوانين ينبغي على الفرد أن يسير وفقها.
يقيم هيجل بين هذه الديانات تفاضلا، فاليهودية مثلا هي أقرب إلى العبودية، بمعنى أن الانسان هنا مستعبد ولا يتحمل مسؤوليته، ثم هناك الديانات اليونانية، التي تتسم بالبهجة والفرح واللعب واللهو، حيث أن علاقة الإنسان هنا بالآلهة هي علاقة تسامح وتكريم، فلم يعد الانسان هنا يخاف من الآلهة، بل صار روحا حرة، فالآلهة هنا هم مؤسسوا الدولة وحماة القانون، وأكثر من هذا ففي الديانة اليونانية من الممكن أن يتزوج الانسان من الآلهة، ورغم تعدد الآلهة في هذه الديانة توجد هناك وحدة تجمعهم، وهي الرحم المظلم الذي خرجت منه الآلهة، بحيث أن الآلهة هنا مثلها مثل البشر تسيطر عليها قوة اشبه بالفراغ والظلام المطبق، فهي قوة الضرورة والقدر، أما في ديانة الرومان نجد صورة الألهة ةتتغير بحيث أنهامزج وتركيب بين الإله اليهودي وإله الإغريق، فقد أصبحت الآلهة في الرومان بمثابة الوسيلة والأداة، فهي نافعة ومفيدة وتخدم غايات كثير وهي موجهة أساسا لخدمة الدولة لمساعدتها في السيطرة والسيادة المطلقة، ومن هنا جاز نعتها بديانة المنفعة، فهي ديانة برغماتية.
مرحلة الديانات المطلقة
وتتمثل في الديانة المسيحية، لأن مضمونها هو الحق المطلق، ويعتقد هيجل بأن مضمونها يتوافق مع روح الفلسفة بصفة عامة وفلسفة هيجل بصفة خاصة، إلا أن الفرق بينهما هو أن المسيحية تقدم هذا المضمون في صورة حسية اي في تمثل بينما تقدمه الفلسفة في صورة الفكر الخالص، ومن خلال هذه الديتنة يكشف الإله أو الروح المطلق عن نفسه في فكرة التثليث، وهس السقوط، التجسيد، الصعود، بمعنى أن الإله كان قبل خلق العالم عبارة عن كلية، ثم أنه بعد ذلك وفي مرحلة ثانية هي مرحلة خلق العالم وانفصاله عنه سيصبح جزئيا، بحيث يصبح في حالة اغتراب واستيلاب في العالم، في المرحلة الثالثة حيث يصبح عبارة عن كلية ملموسة بحيث عودة الجزئي إلى الكلي، وذلك يتجسد في الكنيسة، إذن فكرة التثليث تقوم على ثلاثة أقطاب وهي: الله، العالم، والكنيسة، وهذه الدوائر الثلاث يدرسها هيجل من خلال مملكة الأب، مملكة الإبن، مملكة الروح.
مملكة الأب
ولها ثلاث مظاهر وهي الأب والإبن والروح، على اعتبار الله هو الإبن والإبن ثم أن الإبن في نفس الوقت ابن الروح، ويقصد بمملكة الأب الإله ما قبل خلق العالم، وهي فكرة شاملة، إذن مملكة الله هي المملكة التي تكون في الروح المطلقة عبارة عن فكرة منطقية، بمعنى يكون الله عبارة عن فكرة غير متجسدة أي فكرة مجردة، مملكة الله إذن لها ثلاثة جوانب فهي الأب بما هي كلي، والإبن بما هي جزئي خارج من أحشاء الكلي، كما أنها الروح القدس، إذن الكلي يسمح للجزئي بالإنبثاق منه وأن يكون مستقلا وحرا، ومن هنا تظهر القسمة والإنفصال بين الكلي والجزئي، الذي يتجلى في التباعد والإغتراب بين الله والإنسان.
مملكة الإبن
وهي المسيح بعد خلق العالم والكائنات بما فيها الانسان، هنا يحدث تباعد بعد ارتكاب الخطيئة هذا التباعد يتمثل في فكرة السقوط، وهذا يمثل انحطاط للفكرة الإلهية، هذا الانفصال والتباعد يقتضي المصالحة مع الله، وذلك ما نجده في فكرة التجسيد المسيحية، بمعنى أن الله تجسد في المسيح، وبالتالي لم يبقى كليا، وإنما أصبح متحقق في الجزئي الذي هو المسيح، إذن شخصية المسيح هي رمز الوحدة بين الانسان والله، وبالتالي أصبح الله فكرة ملموسة من خلال المسيح، إذن مملكة الإبن هي الفكرة المطلقة وقد تحققت في الآخر في الطبيعة وفي العالم، على اعتبار الانسان جزء من الطبيعة، وهكذا يصبح الله داخل العالم المتناهي ويصبح حيا فيه، ويصبح الله ليس متناهيا فقط بل هو كذلك يتذوق الموت، ولكنه يقوم من الموت ويصعد إلى الأب ثانية، وبهذا يعود الكلي الذي تحول إلى جزئي إلى كليته فيتم التغلب على التباعد بين الله والإنسان.
مملكة الروح
وهي الكنيسة حيث يصبح الإله والإنسان شيء واحد، بحيث أن روح الله توجد في الانسان لكن ليس الانسان الفردي وإنما في الجماعة، وذلك في الكنيسة، والتي يسميها هيجل بالروح القدس، وهي التي توجد في كنيسة الله، فالكنيسة هي اللحظة التي تجمع بين لحظة مملكة الأب ولحظة مملكة الإبن، لأن الكنيسة من جهة هي روح الله الخالص، ولكنها من ناحية أخرى توجد وجود فعلي في العالم، ولهذا فهي تشكل مملكة الله في الأرض، وهنا ستتحقق الوحدة والتصالح بين الإنسان والله، إذن وظيفة الكنيسة هي تحقيق هذه المصالحة والوحدة، فموت المسيح بالنسبة للمسيحية هو ما يسمح بانتقال روح الله إلى الجماعة، لكن هل باستطاعة الكنيسة تحقيق ذلك التصالح؟، فالكنيسة بالنسبة لهيجل لن تستطيع تحقيق هذه الوحدة لأنها لازالت تسقط حالها التصالحي على المستقبل البعيد، أي يوم الحساب، ولهذا فالكنيسة تؤجل يوم التصالح مع الله، وهذه هي حدود الديانة المسيحية خاصة وحدود الدين عامة، فإذا كانت رسالة الدين هي الوحدة، فمن الضروري عليه ان يحقق هذه الوحدة في الحياة الدنيا لأن يوم الحساب والعقاب هو مجرد وسيلة لتحقيق المصالحة والوحدة على الأرض، لكن هيجل يرى في الفلسفة بأنها قادرة على تحقيق هذه الوحدة وتحقيق الحرية لأنها خطاب عقلي، بمعنى اذا استطاع الناس تنظيم حياتهم وفقا لمبدأ العقل فإنهم يستطعون تحقيق الحرية.
ملاحظة هامة
إن هذا المقال هو عبارة عن محاضرة ألقاها الأستاذ والدكتور محمد الأندلسي بكلية الآداب والعلوم الانسانية بمكناس، وقد قام أحد الطلبة بتسجيل المحاضرة وتدوينها ونشرها، وبالتالي إذا وجدت هناك اية أخطاء سواء إملائية أو معرفية، فإن الأمر لا يعود للأستاذ وإنما قد يكون هناك سهو من طرف الطالب أثناء تسجيل وتدوين المحاضرة، بالإضافة إلى هذا فقد عملنا على نشر مقال سابق حول المقاربة الفلسفية للدين، وكان ذلك المقال بمثابة المحاضرة الأولى للأستاذ، ويمثل هذا المحاضرة الثانية، وفي المستقبل سنحاول نشر باقي المحاضرات مباشرة بعد التوصل بها.
اقرأ المزيد