تحليل شامل للمحور الثاني من مفهوم الرغبة: الرغبة والإرادة

تحليل شامل للمحور الثاني من مفهوم الرغبة: الرغبة والإرادة

تحليل شامل للمحور الثاني من مفهوم الرغبة: الرغبة والإرادة

تحليل شامل لمحور الرغبة والإرادة وتحليل نص ارنست بلوك وتحليل نص باروخ اسبينوزا وتحليل نص جيل دولوز والتحليل النفسي  وهذا ضمن كتاب في رحاب الفلسفة ومنار الفلسفة ومباهج الفلسفة
الرغبة والإرادة


سنعمل من خلال هذا المقال على تحليل ومناقشة نص الرغبة والإرادة إلى الفيلسوف الألماني إرنست بلوك (1885، 1977)، مأخوذ من كتاب له بعنوان "مبدأ الأمل Principe d'epérance"، يمثل هذا النص أحد النصوص المدرجة ضمن مجزوءة ما الإنسان؟، عبر مفهوم الرغبة، وذلك بالمحور الثاالث الرغبة والإرادة، ويوجد النص بالأخص ضمن الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة للأولى بكالوريا مسلك الأداب والعلوم الإنسانية مباهج الفلسفة بالصفحة رقم 38، وهذا المحور يمثل المحور الثاني بالنسبة لكتاب منار الفلسفة وكتاب في رحاب الفلسفة، لكن مع ذلك سننفتح على تحليل نصوص أخرى من قبيل نص باروخ اسبينوزا، ونص جيل دولوز ضمن الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة، ونص جاك لاكان ممثل مدرسة التحليل النفسي.

محتويات الموضوع

  1. تحليل شامل للمحور الثاني: الرغبة والإرادة.
  2. تقديم عام لمحور الرغبة والإرادة.
  3. تحليل نص إرنست بلوك ص 38.
  4. تحليل نص باروخ اسبينوزا ص 35.
  5. تحليل نص جاك لاكان (التحليل النفسي).
  6. تحليل نص الرغبة إنتاج اجتماعي "جيل دولوز" ص 34.
  7. استنتاج عام لمحور الرغبة والإرادة.

تقديم عام لمحور الرغبة والإرادة

إن الرغبة Le Désir هي عبارة عن ميل أو نزوع طبيعي نحو موضوع قد يكون واقعيا أو متخيلا، يعتبر امتلاك هذا الموضوع من طرف الإنسان مصدرا للذة والمتعة والإرتياح، أما الإرادة La Volonté فهي تحيل على القدرة على الإختيار والتصرف وفق ما يمليه تفكير الفرد...، بمعنى أن الإرادة هي اختيار واع، وانطلاقا من هذا، ما نوع العلاقة التي يمكن أن تجمع بين الرغبة والإرادة؟ هل هي علاقة تماهي وتلاؤم وائتلاف وتداخل وترابط أم أنها علاقة تنافر وتضاد وتعارض وتباعد؟ وهل للانسان وعي برغباته وله سلطة عليها؟ وبمعنى آخر هل يمكن تأسيس الإرادة على الرغبة أم أن ذلك يبقى أمرا مستحيل التحقق؟.

شاهد أيضا


تحليل نص إرنست بلوك ص 38

إن العلاقة بين الرغبة والإرادة هي علاقة تلاؤم وائتلاف من وجهة نظر الألماني إرنست بلوك، فبالرغم من الإختلاف الذي يمكن أن نلمسه بينهما، إلا أنه لا وجود لأية إرادة وإلا وتكون مدعومة ومدفوعة برغبات محددة وقابلة للتنفيذ، ومن أجل إقناعنا بهذه الفكرة لجأ صاحب النص إلى الاستعانة بمجموعة من الأفكار التي شكلت الهيكل الاستدلالي لأطروحته، أبرزها هو التمييز الذي قام به بين الرغبة والإرادة، بحيث يرى أن الإرادة هي فعل قابل للتحقق استنادا إلى وسائل وأدوات معقولة، ووتقاس فعاليتها بمدى سرعة اقترابها من الواقع، أما الرغبة في نظره فهي مجرد تمني وأمل يفتقد للوسائل الفعالة للتنفيذ، ووضح ذلك أكثر من خلال استعانته بالعديد من الأمثلة، والتي تحيل على تمني الإنسان، فالبعض يتمنى أن يكون الطقس جميلا يوم غد، دون ان يملك إمكانيات معقولة لتحقيق ذلك، والبعض الآخر يتمنى أمور غير معقولة، من قبيل عودة الميت إلى الحياة، وهكذا فالتمني في نظر إرنست بلوك ما هو إلا مظهر من مظاهر عجز الإرادة، وهو ما يبرره سلوك ضعاف الشخصية والمتخاذلين والمترددين في نظر صاحب النص.

لكن بالرغم من الطابع الخيالي الذي يتصف به هذا النوع من الرغبات، فهو لا يعني عدم وجود رغبات تلائم الواقع وقابلة للتحقق، بل الأمر كذلك، وهذا النوع من الرغبات هو ما يمثل قوة الدفع للإرادة، فهي أشبه بالإيقاع الذي يتحرك عليه النزوع إلى الفعل، فلا يمكن الحديث عن الإرادة إلا في ظل وجود دعم قوي من رغبات قابلة للتنفيذ والتحقق الواقعي، وهكذا فالعلاقة بين الرغبة والإرادة هي علاقة وحدة وائتلاف وتلاؤم، فالرغبة القابلة للتحقق والتنفيذ تمثل دعامة أساسية للإرادة، لكن إلى أي حد يمكن القبول بهذه الأطروحة كحل لقضية العلاقة بين الرغبة والإرادة؟ هل حقا يمكن أن نجد تداخلا بين الإرادة والرغبة أم أن العكس هو الصحيح؟.

تحليل نص باروخ اسبينوزا ص35

يوجد نص باروخ اسبينوزا ضمن كتاب في رحاب الفلسفة للسنة الأولى بكالوريا، ضمن نصوص المحور الثاني الرغبة والإرادة من مفهوم الرغبة، ويبدأ النص بالعبارة التالية "تتألف ماهية النفس..." ويختتم النص بالعبارة الآتية "...شيء من الأشياء."، وهو نفسه النص الذي سنقف عند بنيته المفاهيمية وأطروحته وكذلك الأساليب الحجاجية التي وظفها صاحب النص في بنائه أو دفاعه عن أطروحته.

البنية المفاهيمية لنص باروخ اسبينوزا ص35

تتجلى البنية المفاهيمية لنص باروخ اسبينوزا في ثلاثة مفاهيم مركزية: أولها مفهوم الإرادة والتي تدل بصفة عامة على القدرة على الإختيار والتصرف وفق ما يمليه تفكير الفرد، لكن حسب النص تحيل الإرادة على الجهد الذي تبدله النفس للحفاظ على بقائها وهذا الجهد مرتبط بالوعي، والمفهوم الثاني هو مفهوم الشهوة والذي يحيل على الجهد الذي تقوم به النفس والجسم معا، وهو ما يشكل ماهية الإنسان، فهذا الجهد المزدوج هو أساس حفظ الإنسان لوجوده، أما المفهوم الثالث فهو مفهوم الرغبة يعرفها النص بأنها الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها، بمعنى الرغبة هي شهوة مصحوبة بإرادة الأفراد، وهكذا فالوعي له دخل في تشكل الرغبة عند الانسان، وهو ما يفتقر إليه الحيوان.

أطروحة نص باروخ اسبينوزا ص35

في نفس سياق جيل دولوز يسير الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا (1632،1677)، بحيث يؤكد في كتابه "L'Ethique" على أن "الرغبة هي الشهوة المصحوبة بوعي ذاتها"، فعادة ما يوصف الانسان بأنه كائن واع ومريد، لكن في نظر اسبينوزا لا يمكن فصل هذا الوعي أو الإرادة عن رغبته، فالرغبة والارادة متلازمتان، فليس من السهل إن لم نقل من المستحيل فهم حقيقة الإنسان دون الأخذ بعين الاعتبار رغبته، فهي التحديد الأولى لحقيقته وماهيته، فالرغبة توجد في قلب كل سلوك أو قرار يصدر عن الفرد، فالناس لهم وعي حقا بأفعالهم ورغباتهم رغم جهلهم بعللها، بمعنى أن الانسان له وعي برغبته، هذا الوعي يمنحه سلطة فيما يرغب ويشتهي، لكن يجهل الأسباب التي دفعته إلى الرغبة في موضوع ما، وبالتالي فالرغبة توجد في قلب الوعي الإنساني، وليست أمرا لاشعوريا كما جاء على يد مدرسة التحليل النفسي.

البنية الحجاجية لنص باروخ اسبينوزا

لكي يقنعنا اسبينوزا بأطروحته هذه وظف مجموعة من الأساليب الحجاجية واللغوية التي شكلت الهيكل الاستدلالي لفكرته، منها أسلوب التعريف: بحيث كان يسعى من خلاله إلى تعريف كل من النفس والإرادة والرغبة والشهوة، بغرض التمييز بينها ليتمكن من بناء موقف واضح حول الرغبة. ثم أسلوب العرض والتفسير: بناء على هذا الاسلوب عرض اسبينوزا موقفه حول الانسان واعتباره كائن راغب، لكون الرغب جزء لا يتجزأ من ماهيته، وفي الأخير أسلوب الشرط: وما يدل عليها في النص هو: "فإذا قلنا مثلا....فإن ذلك..."، وقد دعمها بمثال، لأنه كان يسعى إلى التأكيد على أن هناك وعي بالرغبة من طرف الناس لكن هناك جهل بأسبابها.

تحليل نص جاك لاكان (التحليل النفسي)

تمثل أطروحة إرنست بلوك وأطروحة باروخ اسبينوزا حول العلاقة بين الرغبة والإرادة، أطروحتي نقيض لأطروحات أخرى كثيرة، أهمها التي ترى في الرغبة مجالا خاصا منفصل تمام الإنفصال عن الوعي والإرادة، وأبرز من يدافع عن هذه الفكرة هم أصحاب مدرسة التحليل النفسي، فقد نجد مثلا المحلل النفساني الفرنسي جاك لاكان (1901،1981)، يؤكد من خلال كتابه "التحليل النفسي والطب"، أن حيث توجد الرغبة يوجد اللاوعي أو اللاشعور، واللاشعور هو عبارة عن جانب ينفلت من سلطة الذات، لأن عبارة عن بنية موشومة بالضغوطات والتوترات الجنسية المكبوتة والدفينة والمنسية، بمعنى أن الرغبة توجد خارج منطقة الوعي، وبالتالي بالانسان لا يعي رغباته، فلا سلطة للذات على رغباتها مادام اللاشعور هو المتحكم فيها وليس الوعي، وهكذا، فالرغبة ضد الإرادة، بمعنى أنه العلاقة بينهما هي علاقة تضاد وتنافر.

تحليل نص الرغبة إنتاج اجتماعي "جيل دولوز" ص34

إن التصور الذي جاء به التحليل النفسي لم يلقى قبولا من طرف العديد من الفلاسفة، أبرزهم الفرنسي المعاصر جيل دولوز (1925،1995) وزميله فليكس غاتاري (1920،1992)، فقد انتقدا معا في كتابهما المشترك "ضد أوديب" نظرية التحليل النفسي، لأنها ترجع الرغبة إلى عقدة أوديب فقط، بل أكثر من ذلك فهي تحصر وظيفتها إنتاج الاستهامات والتخيلات ليس إلا، في حين أن الرغبة هي عبارة عن إنتاج للواقع، ولا يمكن أن تكون على ذلك الحال إلا في الواقع، فهي خلق للحياة، فهي تعمل كما يعمل الإنتاج الاجتماعي، وهو إنتاج يعمل وفق إرادة الأفراد، بمعنى أنه إنتاج واع، وهو ما يعنى ان الرغبة لا تنفصل عن الوعي والإرادة، وهكذا فجيل دولوز يؤكد على على الترابط الكامن بين الرغبة والإرادة.

استنتاج عام لمحور الرغبة والإرادة

نظرا للطابع المتناقض للرغبة، بحيث نجد منها ما هو قابل للتحقق ومنها ما هو غير ذلك (مجرد حلم)، يجعل من التطابق والتداخل التام بين الرغبة والارادة أمرا صعب المنال، ويتضح ذلك أكثر عندما نتأكد بأن الارادة هي فعل واع وهادف، ففي الفعل الإرادي نعرف مسبقا ما الذي نريده، فنهيء الأدوات المناسبة لتحقيق ما نريد، لكن هذا لا ينفي وجود نقط مشتركة بينهما، فالفعل الإرادي هو الفعل الذي يلائم بطريقة واعية ميولي ورغباتي الشخصية، إلا أن إمكانية هذه الملاءمة رهينة بقابلية التحقق للرغبات المطلوبة وطابعها الواقعي، حينها يمكن الحديث عن التداخل والتلاؤم بين الإرادة والرغبة، بل أكثر من هذا يمكن للرغبة أن تشكل قوة الدفع للإرادة ووسيلة لتدليل كل الصعوبات التي تحول دون تحققها، ومن هنا يصبح لقولة إرنست بلوك "لا وجود لإرادة غير مسبوقة برغبة قابلة للتنفيذ" أهميتها ودلالتها العميقة، وهو ما يؤكده قول الفيلسوف الفرنسي مين دوبيران "إن اشتهاء الحيوان ما لا يعلم هو حاجة، أم ميل الإنسان إلى ما يعلم فهو رغبة".

اقرأ المزيد



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-