الدلالة اللغوية والفلسفية لمفهوم الوعي
![]() |
مفهوم الوعي |
عندما يتساءل الإنسان عن شيء ما، أو عندما يفكر في ذاته، فهو يلتجئ إلى وعيه، فوعي الإنسان يحضر كلما تساءل عن ذاته وحاول بناء معرفة حولها، إذ يبدو كأنه غير منفصل عن وجوده إلى حد اعتباره الشرط الضروري الذي يجعل من أي ممارسة بشرية ممارسة ممكنة، سواء كانت هذه الممارسة فكرية أو علمية، فعندما يتساءل الإنسان ما الوعي؟ فإن هذا السؤال يرتد إليه بصيغة أخرى وهي: من أنا؟، وبالتالي من الممكن القيام بتحليل دلالي للفظ الوعي، والكشف عن ما هو خاص ومشترك في مدلولاته وعن بعض مجالات استعماله، ولذلك سنحاول الوقوف عند الدلالة اللغوية لمفهوم الوعي، ثم بعدها الدلالة الفلسفية لهذا المفهوم، وفي مناسبة أخرى سنتطرق لعلاقة الوعي بالذات وبالعالم وبالآخرين، وكذلك حدود عمل الوعي، إذن كيف تتحدد الدلالة اللغوية لمفهوم الوعي؟ وكيف يمكن اعتبار الوعي إشكالا فلسفيا؟.
محتويات الموضوع
- الدلالة اللغوية والفلسفية لمفهوم الوعي.
- الدلالة اللغوية لمفهوم الوعي.
- الوعي كإشكالية فلسفية.
- ملاحظة هامة.
الدلالة اللغوية لمفهوم الوعي
يميز لالاند في المعجم التقني للمصطلحات الفلسفية بين مستويين عامين في دلالة مفهوم الوعي: فالمستوى الأول، وهو المستوى النفسي، نجد أن مفهوم الوعي يتضمن دلالات متعددة ومختلفة، فالوعي هو حدس الفكر لحالاته وأفعاله، حدس متفاوت الإكتمال والوضوح، وهذا مجرد تحديد تقريبي، لأن الوعي باعتباره حدسا فهو يمثل إحدى المعطيات الأساسية للفكر، ومن ثم فهو غير قابل لأن ينحل إلى عناصر أبسط منه، وغير قابل كذلك للتعريف النهائي، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه يقع في أساس كل معرفة، بالإضافة إلى هذا، فإن الوعي يستعمل كذلك للدلالة على حالات الإحساس الأولي التي لا نميز فيها بين الذات المدركة والموضوع المدرك، ويسمى بذلك وعيا تلقائيا Consience Spontané، وذلك لأنه خال من التركيز في الإنتباه ومن التفكير في الأفعال والتصرفات والتروي في الأحكام.
شاهد أيضا
لكن عندما يتضمن الوعي تقابلا واضحا بين ذات عارفة وموضوع معرفة، ويتضمن تحليلا لموضوع المعرفة، يصبح بذلك وعيا تأمليا Consience Reflechie، وهذا يتطلب من الإنسان عمليات ذهنية عليا، من قبيل الإدراك والتذكر والحكم المنطقي...، وفي هذا المستوى يعرف الإنسان أنه يحس ويدرك ويتخيل...، بمعنى ينتج معرفة عن إرادة، كما يدل الوعي على مجال نفسي كمحتوى خاص، وهو مجموع الظواهر النفسية الخاصة بفرد أو بجماعة توجد بينهم خصائص مشتركة، مثلا عندما نقول "وعي طفل" أو "وعي طبقة اجتماعية"... إلخ. أما المستوى الثاني، فهو المستوى الأخلاقي، بحيث يكون فيه الوعي خاصية للفكر الإنساني يصدر بفضله أحكامها معيارية تلقائية ومباشرة حول القيمة الأخلاقية لبعض الأفعال الفردية المحددة، ومن خلال هذا الوعي الأخلاقي يشعر الإنسان بمسؤوليته تجاه أفعاله وأفعال الغير.
الوعي كإشكالية فلسفية
إذا ما تأملنا المعاني المختلفة لمفهوم الوعي الواردة في المستوى الأول، واستبعدنا من تحليلنا دلالة الوعي في المستوى الثاني الأخلاقي، فإنه سيكون بإمكاننا تحديد معنيين عامين يحيل عليهما اللفظ وهما: فالمعنى الأول لمفهوم الوعي: هو معنى خاص بالوعي كمعرفة مباشرة، بحيث يكون الوعي إدراكا أو تمثلا لما يجري في الذاتمن خبرات وتجارب وانفعالات وأفكار، وتمثلا كذلك لأشياء وموضوعات العالم الخارجي، وبذلك يمكن طرح السؤالين التاليين: هل يحيط الوعي بكل ما يكونه أم هناك ظواهر نفسية أخرى لا واعية؟ وهل يتضمن تأكيدا لحضور الذات كجوهر مستقل أم لا؟.
أما المعنى الثاني لمفهوم الوعي: هو معنى خاص بالوعي كمحتوى وكمجال خاص، وهو مجموع الخبرات والظواهر النفسية الخاصة بفرد أو بجماعة، فهذان المعنيان يتكاملان، فالوعي من جهة حضور لتجارب إنسانية ومعرفة بها من جهة أخرى، فإذا كنت مثلا أكتب نصا الآن، فأنا أعرف أني أكتب هذا النص داخل شروط خاصة، وهذا ما تعنيه الكلمة الفرنسية Consience، وهي كلمة مشتقة من العبارة اللاتينية Cun Scientia، والتي تعني شعورا أو وعيا مصحوبا بعلم أو معرفة، معرفة غير مختلفة عن حالة الوعي ذاته، فإذا كان الحيوان على سبيل المقارنة قد يتألم ويحس ويغضب فإنه لا يعي أنه يتألم ويغضب، فوعيه غريزي ثابت خال من تصور الغاية من السلوك، أما وعي الإنسان فهو وعي ينطوي على سلوك غائي يقتضي جهدا إراديا واعيا، ذلك الجهد الذي يسمو به فوق باقي الكائنات الأخرى الموجودة على الأرض.
وهكذا، فإذا كان الإنسان يمثل جزء من الطبيعة وموجودا بين كائنات أخرى، ويخضع لقوانين نظام الطبيعة، فهو وبفضل وعيه يرسم لذاته مسافة مزدوجة، مسافة بين الإنسان والعالم ومسافة بين الإنسان وذاته، فيضعنا الوعي داخل إشكالية فلسفية خاصة، إن علاقة الإنسان بوعيه كانت دائما علاقة متوترة ومتفاوتة الإكتمال والوضوح، فإذا ما افترضنا أن الوعي يكسب الذات الإنسانية وحدتها وهويتها المتفردة داخل عالم متعدد، فكيف يتمكن الوعي من الحفاظ على هوية الذات؟ وما علاقة تكون وعي الذات بالعالم وبالآخرين؟ وما هي حدود قدرات الوعي؟، هذه الأسئلة وأسئلة أخرى سنحاول الإجابة عنها في مقال لاحق، وسنضع لكم رابطه المباشر في هذا المقال.
ملاحظة هامة
إن هذه المقال الذي يتحدث عن الدلالة اللغوية والدلالة الفلسفية لمفهوم الوعي، هو عبارة عن مقتطف من موضوع كامل موجود بالكتاب المدرسي لمادة الفكر الإسلامي والفلسفة، للسنة الثانية الثانوية الشعبة الأدبية، ضمن البرنامج القديم في مادة الفلسفة، وهذا المقتطف لم نقم بنقله حرفيا، وإنما هناك بعض التعديلات قد تكون لغوية فقط، أما الأفكار فلم تتعرض للتغيير أو التنقيح وإنما تم الحفاظ عليها كما هي، وإذا وجدت بعض الأخطاء الإملائية فقد يكون ذلك ناتج عن عملية الكتابة فقط، نتمنى أن يكون هذا المقال مفيدا لكم، ولا يفوتني أن أشير إلى أن هذا المقال مفيد بالنسبة لتلاميذ الأولى بكالوريا لأن المجزوءة الأولى مجزوءة ما الإنسان؟ نجد ضمنها مفهوم الوعي وهو المفهوم الأول وبالتالي يمكن الاطلاع على هذا المقال لذلك.
اقرأ المزيد