تحليل شامل لنص كارل ياسبرز "أدوات فعل التفلسف" ص 42
![]() |
منطق الفلسفة |
يمثل نص كارل ياسبرز (اقرأ النص) ، محاولة للإجابة عن الأدوات التي يستعين بها الفيلسوف من أجل بناء تصور أو موقف ما حول موضوع معين، ويدخل هذا النص ضمن محور منطق الفلسفة، وهو المحور الثالث من مجزوءة الفلسفة في كتاب في رحاب الفلسفة للجذع المشترك، والنص مقتطف من كتاب مدخل إلى الفلسفة لكارل ياسبرز، ترجمة محمد الشنيطي، من الصفحة 55 إلى الصفحة 59، لكن مع إدخال بعض التعديلات على الترجمة التي قام بها المذكور أعلاه، وفيما يأتي التحليل الشامل لهذا النص والتي تعتبر إجابة عن أسئلة الفهم لنص أدوات فعل التفلسف.
محتويات الموضوع
- تحليل شامل لنص كارل ياسبرز "أدوات فعل التفلسف" ص42.
- مدخل لمحور منطق الفلسفة.
- من يكون كارل ياسبرز.
- مفاهيم نص كارل ياسبرز.
- فهم أفكار نص أدوات فعل التفلسف.
- إشكال النص.
- أطروحة النص.
- حجاج نص كارل ياسبرز.
مدخل لمحور منطق الفلسفة
بمجرد ما نسمع "منطق الفلسفة"، يتبادر إلى الذهن بأن الفلسفة تتمتع بمنطق خاص للتفكير، على أساس أن المنطق هو آلة للنظر في موضوعات المعرفة دون الوقوع في الخطأ، ومادام كانط يقول بأن ما يمكن للمرء أن يتعلمه هو التفلسف وليس الفلسفة، فهذا يعني أن هناك تباين بينهما، فالفلسفة وكأنها قلعة في طور البناء، فكل فيلسوف يأتي بتصور جديد كلبنة يضيفها إلى هذا البناء، في حين أن التفلسف هو عبارة عن فعل أو نشاط عقلي يعتمد على آليات وأدوات معينة (أدوات فعل التفلسف)، فالتمكن منها هو ما يسمح ببناء تصور واضح حول الإنسان والعالم، فالفلسفة إذن هي نمط من أنماط التفكير له مميزاته الخاصة (مميزات التفكير الفلسفي)، إذن ما الذي يميز التفكير الفلسفي عن باقي أنماط التفكير الأخرى؟ وما هي أدوات فعل التفلسف التي تجعل من البناء الفلسفي بناء منطقيا؟.
من يكون كارل ياسبرز؟
كارل ياسبرز هو طبيب ألماني وأحد أبرز الفلاسفة الوجوديين، ولد سنة 1883م، وتوفي عام 1969 م، حصل على الدكتراه في الطب ونشر كتابه "طب الأمراض النفسية العام" سنة 1913، كان محاضرا في الجامعة في علم النفس عام 1953، وعام 1932 أصبح أستاذا بجامعة هيدلبرغ، وقد منع من إلقاء محاضراته في فترة الحكم النازي، من أبرز مؤلفاته: "مدخل إلى الفلسفة"، "سيكولوجية الحدس الكوني".
شاهد أيضا
مفاهيم نص كارل ياسبرز
استعمل كارل ياسبرز في بنائه لهذا النص جملة من المفاهيم الفلسفية التي شكلت لبنات أساسية في هذا البناء، ولتفكيك خبايا هذا النص يجب أولا تحديد معاني هذه المفاهيم، منها مفهوم الأصل: لا يحيل مصطلح الأصل في النص الزمان أو المكان، بقدر ما يحيل على المنبع الذي ينبثق منه الدافع إلى فعل التفلسف، ثم مفهوم الدهشة: تحيل الدهشة عامة على نوع من الحيرة والتوتر النفسي اتجاه أمور مفاجئة، والدهشة أنواع. للمزيد حول أنواع الدهشة من هنا، أما الشك: فقد تعرفنا عليه سابقا الشك من هنا.
إضافة إلى ذلك نجد الحقيقة: تمثل الحقيقة عامة نقيضا للخطأ والزيف والباطل والوهم، لأنها تحيل على الصدق واليقين، أما من الناحية الفلسفية فهي تحيل على التطابق بين الفكر والواقع من جهة وبين الفكر وذاته من جهة أخرى، ثم الوعي بالذات: معناه بناء معرفة عقلية مباشرة (الحدس) حول أفعال الذات وأحوالها، وبعدها مفهوم التأمل: يحيل على استغراق وتعمق العقل تفكيرا في موضوع أو ظاهرة ما، وفي الأخير عبارة وضعيات أساسية محددة: هي مجموع الحتمبات والعوامل والإكراهات التي تتجاوز الإرادة البشرية وتحكم وجوده.
فهم أفكار نص أدوات فعل التفلسف
استهل كارل ياسبرز نصه، بشرح وتوضيح معنى الأصل، واعتبره هو منبع الدافع لفعل التفلسف، وبالتالي فبداية فعل التفلسف تتجاوز إطار الزمان والمكان، وإنما ترتبط بدايته بممارسة التفكير النظري في الموضوعات، وتمثل الدهشة، كعملية من عمليات الفكر، إحدى تجليات هذا الأصل، فالدهشة هي التي تربط الانسان بأشياء العالم الخارجي، فكثيرا ما يشعر بالغرابة والتوتر أمام هذه الأشياء، ويتجلى كذلك هذا الأصل في الشك كخطوة أولى نحو الحقيقة، فهو أداة لفحص ونقد الأراء والمعتقدات الشائعة، ويأخذ هذا الأصل بعدا ثالثا يتمثل في التساؤل حول كل شيء، سواء تعلق الأمر بالذات أو بالعالم، من أجل الكشف عن أسرارها.
هذه الأبعاد الثلاث للأصل الذي تحدث عنها كارل ياسبرز، تمثلا جزءا من أدوات وآليات فعل التفلسف، فهي الكفيلة بقيادة الفيلسوف نحو معرفة مجردة من المنفعة، سواء حول ذاته أو حول العالم من حوله، فالدهشة والتساؤل والشك هي منبع ومنطلق التفكير الفلسفي في نظر كارل ياسبرز، إن هذه الدوافع هي ما يجعل من الفلسفة ،خاصة المعاصرة، أمرا جوهريا.
إن الدهشة كأصل لفعل التفلسف، هي شعور موجود مع الإنسان في كل لحظة، فالدهشة كموقف عقلي، هي التي تزيل الستار عن جهل الانسان بحقيقة الظواهر المحيطة به، فيطرح حينها تساؤلات عقلية حول الظواهر التي يندهش أمامها، وبالتالي السعي خلف الحقيقة، فالدهشة الفلسفية هي مجرد حيرة وتوتر لحظي وليس دائم، يزول بامتلاك الحقيقة اليقينية.
أما الشك المنهجي فهو وسيلة لفحص المعارف والأفكار من أجل البث في مدى صدقها، فقد جمع الإنسان العديد من الأفكار والمعارف إما عن طريق الحواس أو عن طريق العقل، لكنها ليست بالضرورة أفكارا ومعارفا يقينية، وبالتالي يجب فحصها انطلاقا من الشك المنهجي، هذا النوع من الشك هو الذي قاد ديكارت إلى الكوجيطو "أنا أفكر إذن أنا موجود".
ويمثل التساؤل حول الذات تفكيرا في المسائل المتعلقة بها من قبيل السعادة، الموت...، فالتفكير في الذات والتأمل فيما يتعلق بها من شأنه أن يمكننا من تجاوز الاكراهات والحتميات التي تتحكم في وجودنا.
إشكال النص
ينطوي نص كارل ياسبرز على سؤال ضمني يمكن صياغته على الشكل الآتي: ما هو الأصل النظري والمنبع الذي يدفع الفيلسوف إلى التفلسف؟ وما هي الآليات والأدوات التي يعتمدها الفيلسوف في ذلك؟ هل الدهشة والسؤال والشك تمثل وحدها أدوات لفعل التفلسف أم أن هناك أدوات وآليات أخرى؟ وكيف يمكننا بلوغ حقيقة الموضوعات؟
أطروحة النص
يؤكد كارل ياسبرز أن الدافع إلى فعل التفلسف، سواء في الحاضر أو في الماضي، يتجلى في عناصر عدة، تتمثل في الدهشة والشك المنهجي والتساؤل حول الذات، وتمثل هذه العناصر أدوات وآليات يعتمدها الفيلسوف في فعل التفلسف من أجل بلوغ الحقيقة.
حجاج نص كارل ياسبرز
إن بناء هذا النص من طرف كارل ياسبرز، تم انطلاقا من الاستناد على مجموعة من الأساليب اللغوية والحجاجية، نذكر منها: حجة السلطة: حيث استحضر قول كل من أرسطو وأفلاطون، كرموز للفكر الفلسفي، حول دور الدهشة في فعل التفلسف، ثم أسلوب التمييز: يميز بين نوعين من الشك، كما اعتمد حجة الجرد والإحصاء: استعمل أرقاما ترتيبية من أجل الحديث عن تجليات ذلك الأصل.، ثم حجة الاستنباط: فقد انطلق في بنائه لهذا النص مما هو عام، حيث قد قضية عامة في البداية حول الأصل الدافع إلى التفلسف، ثم انتقل إلى ما هو خاص، حيث عمل على شرح العناصر الجزئية لتلك القضية وتوضيحها.
اقرأ المزيد